معجزة القرآن
10-05-2013 05:50 مساءً
0
0
414
القرآن الكريم كلام الله، والمعجزة الباقية أبد الدهر، وإعجازه لا يقتصر على عصر معين أو زمن محدد، بل هو يعلن تحديه للبشر كلهم، بل إنه يعلنه للإنس والجن، فلو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله فإنهم لن يستطيعوا ذلك، قال جل شأنه: ((قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا))[الإسراء: 88].
إنه معجزة كل العصور، لمن عاشوا قبلنا ولعصرنا ولمن سيأتون من بعدنا...
جاء لينذر من كان حياً، أما الموتى على الحقيقة فإنهم ما عادوا بحاجة إلى الإنذار، فكل منهم قد أصبح يرى حقيقة الإنذار رأي العين، وأما الموتى على المجاز فإنهم لا ينتفعون به، وإن يكن حجة عليهم، ودليل إدانة سيندمون أشد الندم يوم يرون ما يصدقه.. قال - سبحانه -: (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)[يس: 70]..
فما الذي تميز به القرآن عن الكتب السابقة ؟
نزل القرآن على قلب محمد - عليه الصلاة والسلام - ككتاب جامع يعالج كل أدواء البشر ومشاكلهم في كل زمان ومكان دون تخصيص، بخلاف الكتب السابقة التي تنزلت لزمن معين وأقوام معينين، ولمعالجة أدواء معينة ترتبط بذلك الزمن وأولئك الأقوام.
كشف القرآن حُجب الغيب كلها ما مضى منها وما هو آت، وشخَّص الحاضر، وتنبأ بالمستقبل، وهو كذلك كان ولا زال يكشف دخائل النفوس وطبائعها، ويا طالما حدثنا عن أحوال المنافقين والمشركين عرباً وأهل كتاب، وهو لا يزال يصف أغوار النفوس ودخائل القلوب، وسلوكيات أهل الزيغ والهوى، وصفاً دقيقاً نقف أمامه، فكأنما هم ماثلون أمام أعيننا...
لقد جاء القرآن ليتحدى العرب بمجرد ألفاظ هي من جنس ما برعوا فيه، وليكلفهم بتكاليف هم مطالبون بها بحكم وضوح الخطاب الموجه إليهم، وهو من جنس ما برعوا فيه...
معجزة القرآن هي نفس المنهج الذي جاء به، بينما معجزات الأنبياء السابقين كانت منفصلة عن المنهج الذي جاء به كل منهم، رغم أن الدين واحد، لكن لكل منهم شرعة ومنهاجاً...
كانت معجزة إبراهيم - عليه السلام - من جنس ما يدمغ قومه ويقيم عليهم الحجة، فقد كانوا أهل جدل، فلم تكن معجزته - عليه السلام - في نجاته من النار، إنما في فقدان النار لخاصيتها في الإحراق، حيث صارت برداً وسلاماً عليه..
لم تتعرض لعاصفة تطفئها، ولم ينزل عليها المطر، ولم يهرب إبراهيم، كل تلك الأسباب للنجاة ما كان الله ليعجز عن تحقيق أي منها، لكن المعجزة لن تتحقق بذلك لأن القوم أهل جدل، فلسوف يجد المعاندون ما يتمحكون به من مطر أو ريح أو هرب، أما أن تصير برداً وسلاماً فذلك ما يخرس كل لسان ويقطع كل كلام!!...
أما منهجه فقد كان كامناً في صحفه - عليه السلام -...
ومعجزة موسى - عليه السلام - العصا والآيات التسع، وارتفاع ماء البحر مخالفاً لخواصه التي خلق عليها، فكان كل فرق كالطود العظيم، وكان منهجه التوراة...
ومعجزة عيسى كانت في علاج الأمراض المستعصية وإحياء الموتى، وكان منهجه الإنجيل...
وما زعم إبراهيم أنه سينجو بأسباب البشر، ولا فعل ذلك موسى أو عيسى...
لقد كانت معجزاتهم عبارة عن خرق لقوانين الكون، محدودة بزمن معين، فمن رآها آمن، ومن لم يرها كانت عنده مجرد خبر، وليس الخبر كالعيان، وكل منها حدث مرة واحدة ثم انتهى ليعود كل شيء إلى طبيعته!.
أما معجزة القرآن: فإنها معجزة عقلية بالدرجة الأولى، باقية ما بقي الدهر، فكلٌّ منا يمكنه القول بأن محمداً رسول الله، وتلك هي معجزته بين أيدينا، محفوظة نراها، ونسمعها ونفهمها، ونتعامل معها، كمن عاصروه تماماً...
المعجزات السابقة هي من أفعال القدرة الإلهية، لكن معجزة نبينا محمد هي صفة من صفات الله، فهي كلامه - سبحانه -، وفرق شاسع بين الفعل والصفة.. فالفعل يبقى طالما أراد الفاعل بقاءه، أما الصفة فإنها باقية ببقاء الموصوف نفسه...
وشيء آخر: ذكرنا أن كل نبي كان له معجزة ومنهج، فموسى معجزته العصا ومنهجه التوراة، وعيسى معجزته الطب ومنهجه الإنجيل، أما محمد فإن معجزته هي عين منهجه.. ولذلك كان الله يكلف السابقين بالحفاظ على مناهجهم، بينما تولى - سبحانه - حفظ القرآن بنفسه - جل وعلا -: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: 9]...
نسي الأولون بعضاً مما جاء في كتبهم، وكتموا بعضاً آخر، وحرفوا بعضاً، ثم جاءوا بأكاذيب من عندهم افتراء على الله وليشتروا به ثمناً قليلاً، أما القرآن فإنه لم ينس منه شيء ولم يستطع أحد أن يزيد عليه أو ينقص منه أو يطعن فيه، رغم المحاولات الحثيثة والجهود الدائبة والمؤلفات الضخمة، وكلها لم تعد إلا بالخزي على أصحابها وإن أضلوا بها كثيراً من الناس، لكن المنهج محفوظ في ذاته لم يمس بسوء أبداً...
جلُّ ما يقدرون عليه: هو محاولات سمجة للتلاعب بمعانيه ومدلولاته، وتحريف الكلم عن مواضعه، وإلقاء قدر من الغموض والإبهام عليه للتلبيس على عباد الله، متبعين ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله...
لكن القرآن بفضل الله حفظ بلفظه ونصه، لأن إعجازه كامن فيهما معاً.. وذلك هو الفارق بين الرسالات المحدودة بزمن وأقوام، وبين الرسالة العامة الخاتمة..
رزقنا الله وإياكم تدبّره، والانتفاع به.
والحمد لله رب العالمين...
إنه معجزة كل العصور، لمن عاشوا قبلنا ولعصرنا ولمن سيأتون من بعدنا...
جاء لينذر من كان حياً، أما الموتى على الحقيقة فإنهم ما عادوا بحاجة إلى الإنذار، فكل منهم قد أصبح يرى حقيقة الإنذار رأي العين، وأما الموتى على المجاز فإنهم لا ينتفعون به، وإن يكن حجة عليهم، ودليل إدانة سيندمون أشد الندم يوم يرون ما يصدقه.. قال - سبحانه -: (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)[يس: 70]..
فما الذي تميز به القرآن عن الكتب السابقة ؟
نزل القرآن على قلب محمد - عليه الصلاة والسلام - ككتاب جامع يعالج كل أدواء البشر ومشاكلهم في كل زمان ومكان دون تخصيص، بخلاف الكتب السابقة التي تنزلت لزمن معين وأقوام معينين، ولمعالجة أدواء معينة ترتبط بذلك الزمن وأولئك الأقوام.
كشف القرآن حُجب الغيب كلها ما مضى منها وما هو آت، وشخَّص الحاضر، وتنبأ بالمستقبل، وهو كذلك كان ولا زال يكشف دخائل النفوس وطبائعها، ويا طالما حدثنا عن أحوال المنافقين والمشركين عرباً وأهل كتاب، وهو لا يزال يصف أغوار النفوس ودخائل القلوب، وسلوكيات أهل الزيغ والهوى، وصفاً دقيقاً نقف أمامه، فكأنما هم ماثلون أمام أعيننا...
لقد جاء القرآن ليتحدى العرب بمجرد ألفاظ هي من جنس ما برعوا فيه، وليكلفهم بتكاليف هم مطالبون بها بحكم وضوح الخطاب الموجه إليهم، وهو من جنس ما برعوا فيه...
معجزة القرآن هي نفس المنهج الذي جاء به، بينما معجزات الأنبياء السابقين كانت منفصلة عن المنهج الذي جاء به كل منهم، رغم أن الدين واحد، لكن لكل منهم شرعة ومنهاجاً...
كانت معجزة إبراهيم - عليه السلام - من جنس ما يدمغ قومه ويقيم عليهم الحجة، فقد كانوا أهل جدل، فلم تكن معجزته - عليه السلام - في نجاته من النار، إنما في فقدان النار لخاصيتها في الإحراق، حيث صارت برداً وسلاماً عليه..
لم تتعرض لعاصفة تطفئها، ولم ينزل عليها المطر، ولم يهرب إبراهيم، كل تلك الأسباب للنجاة ما كان الله ليعجز عن تحقيق أي منها، لكن المعجزة لن تتحقق بذلك لأن القوم أهل جدل، فلسوف يجد المعاندون ما يتمحكون به من مطر أو ريح أو هرب، أما أن تصير برداً وسلاماً فذلك ما يخرس كل لسان ويقطع كل كلام!!...
أما منهجه فقد كان كامناً في صحفه - عليه السلام -...
ومعجزة موسى - عليه السلام - العصا والآيات التسع، وارتفاع ماء البحر مخالفاً لخواصه التي خلق عليها، فكان كل فرق كالطود العظيم، وكان منهجه التوراة...
ومعجزة عيسى كانت في علاج الأمراض المستعصية وإحياء الموتى، وكان منهجه الإنجيل...
وما زعم إبراهيم أنه سينجو بأسباب البشر، ولا فعل ذلك موسى أو عيسى...
لقد كانت معجزاتهم عبارة عن خرق لقوانين الكون، محدودة بزمن معين، فمن رآها آمن، ومن لم يرها كانت عنده مجرد خبر، وليس الخبر كالعيان، وكل منها حدث مرة واحدة ثم انتهى ليعود كل شيء إلى طبيعته!.
أما معجزة القرآن: فإنها معجزة عقلية بالدرجة الأولى، باقية ما بقي الدهر، فكلٌّ منا يمكنه القول بأن محمداً رسول الله، وتلك هي معجزته بين أيدينا، محفوظة نراها، ونسمعها ونفهمها، ونتعامل معها، كمن عاصروه تماماً...
المعجزات السابقة هي من أفعال القدرة الإلهية، لكن معجزة نبينا محمد هي صفة من صفات الله، فهي كلامه - سبحانه -، وفرق شاسع بين الفعل والصفة.. فالفعل يبقى طالما أراد الفاعل بقاءه، أما الصفة فإنها باقية ببقاء الموصوف نفسه...
وشيء آخر: ذكرنا أن كل نبي كان له معجزة ومنهج، فموسى معجزته العصا ومنهجه التوراة، وعيسى معجزته الطب ومنهجه الإنجيل، أما محمد فإن معجزته هي عين منهجه.. ولذلك كان الله يكلف السابقين بالحفاظ على مناهجهم، بينما تولى - سبحانه - حفظ القرآن بنفسه - جل وعلا -: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: 9]...
نسي الأولون بعضاً مما جاء في كتبهم، وكتموا بعضاً آخر، وحرفوا بعضاً، ثم جاءوا بأكاذيب من عندهم افتراء على الله وليشتروا به ثمناً قليلاً، أما القرآن فإنه لم ينس منه شيء ولم يستطع أحد أن يزيد عليه أو ينقص منه أو يطعن فيه، رغم المحاولات الحثيثة والجهود الدائبة والمؤلفات الضخمة، وكلها لم تعد إلا بالخزي على أصحابها وإن أضلوا بها كثيراً من الناس، لكن المنهج محفوظ في ذاته لم يمس بسوء أبداً...
جلُّ ما يقدرون عليه: هو محاولات سمجة للتلاعب بمعانيه ومدلولاته، وتحريف الكلم عن مواضعه، وإلقاء قدر من الغموض والإبهام عليه للتلبيس على عباد الله، متبعين ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله...
لكن القرآن بفضل الله حفظ بلفظه ونصه، لأن إعجازه كامن فيهما معاً.. وذلك هو الفارق بين الرسالات المحدودة بزمن وأقوام، وبين الرسالة العامة الخاتمة..
رزقنا الله وإياكم تدبّره، والانتفاع به.
والحمد لله رب العالمين...