• ×
الجمعة 27 ديسمبر 2024 | 21-11-2024
×

صفة الرحمن

0
0
480
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمدٍ سيدِ الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فما صفةُ الرحمن التي أريد الحديث عنها في هذه المقالة؟
إنها سورة الإخلاص، قال - تعالى -: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [سورة الإخلاص].
فمن أين لي بهذه التسمية؟
سمَّاها بذلك صحابيٌّ من الأنصار، ويمكن تقسيم السور من حيث المسمِّي لها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: سور سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
مثال ذلك: سورة البقرة وآل عمران.
فقد حدّث أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((اقْرَءُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ)) رواه مسلم. والبطلة: السحرة.
ومن أمثلة ذلك سورة الفاتحة التي قال فيها - صلى الله عليه وسلم -: ((أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ)) والحديث في الصحيحين.
القسم الثاني: سور سماها الصحابة - رضي الله عنهم -.
مثال ذلك: سورة الملك.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر". وأوصى بقراءتها كل ليلة. وهذا الأثر خرَّجه ابن مردويه.
ومن أمثلة تسمية الصحابي للسورة ما ثبت في صحيح الإمام البخاري عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - رحمه الله - قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: سُورَةُ الْحَشْرِ. قَالَ: "قُلْ: سُورَةُ النَّضِيرِ".
ومثال ذلك سورة الإخلاص. ثبت عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، فَلَمَّا رَجَعُوا ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: ((سَلُوهُ لأيِّ شيء يَصْنَعُ ذَلِكَ؟)) فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ؛ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ)) رواه البخاري ومسلم.
وهنا تنبيهان:
الأول: حب الله - تعالى - له ليس بسبب قراءته لها في كل ركعة وختمه الركعات بها، وإنما لحبه لها.
الثاني: هذا الإقرار دليل على المشروعية لا الاستحباب كما جزم بذلك العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - [الشرح الممتع].
القسم الثالث: السور التي سماها من دون الصحابي.
وغالب تسمياتهم تأتي حكاية لبداية السورة، كقولهم: سورة: (لم يكن).
فما فضل هذه السورة؟
1- تعدل ثلث القرآن الكريم.
فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيعجِز([1]) أحدُكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن)) قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: ((قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن)) متفق عليه.
وعَنْ قَتَادَةَ بْنِ النعمان - رضي الله عنه -، أَنَّ رَجُلا قَامَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ مِنْ السَّحَرِ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) لا يَزِيدُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ)) رواه البخاري.
وفي رواية لأحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارًا يَقُومُ اللَّيْلَ لا يَقْرَأُ إِلا (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ!؟) -كَأَنَّهُ يُقَلِّلُهَا- فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ)).
ولمسلم: "إن الله - عز وجل - جَزَّأ القرآن بثلاثة أجزاء، فجعل (قل هو الله أحد) جزءً من أجزاء القرآن".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((احْشُدُوا؛ فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ)) فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنْ السَّمَاءِ، فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ. ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ((إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ: سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ)) رواه مسلم.
فما معنى أنها تعدل ثلث القرآن؟ قال النووي - رحمه الله -: "قال القاضي: قال المازري: قيل: معناه أن القرآن على ثلاثة أنحاء: قصص، وأحكام، وصفات لله - تعالى -، و(قل هو الله أحد) متضمنة للصفات. فهي ثلث، وجزء من ثلاثة أجزاء. وقيل: معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثواب قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف" [شرح مسلم: 6/95].
هذا قولان حكاهما النووي - رحمه الله -.
ولستُ أشكُّ أنها تعدل ثلث القرآن الكريم في الأجر؛ وذلك لأمور:
الأول: لأن الله يقول: (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [البقرة/105].
الثاني: ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ)) رواه مسلم.
الثالث: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن)) رواه أبو يعلى بإسناد حسن، والطبراني في الكبير واللفظ له.
فإذا جعلنا القرآن ثلاثة أجزاء؛ خبراً عن الله، وخبراً عن عباد الله، وخبراً عن أحكام الله؛ لنفهم معنى أن الإخلاص تعدل ثلث القرآن، فكيف سنقسمه إلى أربعة أجزاء لنفهم أن الكافرون تعدل ربعه؟!
الرابع: إذا كان الله لا يتعاظمه أن يعطي الجنة لعباده وهي غايةُ المؤمِّلين في فضله، أفيتعاظمه أن يجزل لهم في العطاء بقراءة صفته؟! فإذا انتفى ذلك فيما كان غايةً فانتفاؤه في وسيلتها أولى وأحرى.
ولابد من الإشارة إلى أنها تعدل ثلث القرآن في الجزاء لا في الإجزاء، وهذا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرات فكأنما أعتق أربع أنفس من بني إسماعيل))رواه أحمد.
فهل يجزئ ذلك عن إعتاق أربع رقاب ممن وجب عليه ذلك وقال هذا الذكر عشر مرات؟ فنقول: لا يجزئ. أما في الجزاء، فتعدل هذا كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام -، فلا يلزم من المعادلة في الجزاء المعادلة في الإجزاء. ولهذا، لو قرأ سورة الإخلاص في الصلاة ثلاث مرات، لم تجزئه عن قراءة الفاتحة. فلا يلزم من معادلة الشيء للشيء أن يكون قائماً مقامه في الإجزاء.
2- قراءتها سبب لدخول الجنة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، فَقَالَ: ((وَجَبَتْ)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: ((وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ)) رواه الإمام أحمد.
3- حبها سبب لمحبة الله - تعالى - للعبد.
ودليله حديث الأنصاري السابق.
4- من قرأها عشر مرات بني له قصر في الجنة.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ)) فقال عمر: إذاً أستكثر يا نبي الله؟ فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الله أكثر وأطيب)) رواه أحمد.
فائدة:
دلَّ ما سبق من نصوصٍ على أنَّ القرآن يتفاضل، وإنما يتفاضل باعتبار موضوعاته، فإنَّ المتكلم به واحد، وهو الله - سبحانه -.
فالفاتحة أعظم سورة في القرآن، وآية الكرسي أعظم آية في القرآن، وقد صحَّ بذلك الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وخير كتاب عُني بهذا الباب كتاب (فضائلُ القرآن ومعالمه وآدابه)، لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، وليس كل سورة من سور القرآن ورد لها فضل يخصها في السنة.
فما تفسيرها؟
قل: الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأمته.
(الله أحد): متوحد بجلاله وعظمته، ليس له مثيل، وليس له شريك، بل هو متفرد بالجلال والعظمة - عز وجل -، فلا شريك له في ألوهيته، ولا في ربوبيته، ولا في أسمائه وصفاته.
(الله الصمد): أجمع ما قيل في معناه: أنه الكامل في صفاته، الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته. فقد روي عن ابن عباس أن الصمد هو الكامل في علمه، الكامل في حلمه، الكامل في عزته، الكامل في قدرته، إلى آخر ما ذكر في الأثر. وهذا يعني أنه مستغنٍ عن جميع المخلوقات لأنه كامل، وورد أيضاً في تفسيرها أن الصمد هو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، وهذا يعني أن جميع المخلوقات مفتقرة إليه، وعلى هذا فيكون المعنى الجامع للصمد هو: الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته.
(لم يلد) لأنه - جل وعلا - لا مثيل له، والولد مشتق من والده وجزء منه كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في فاطمة: ((إنها بَضْعَةٌ مني)) متفق عليه.
والله - جل وعلا - لا مثيل له. ثم إن الولد إنما يكون للحاجة إليه إما في المعونة على مكابدة الدنيا، وإما في الحاجة إلى بقاء النسل. والله - عز وجل - مستغنٍ عن ذلك. فلهذا لم يلد لأنه لا مثيل له؛ ولأنه مستغنٍ عن كل أحد - عز وجل -.
وقد أشار الله - عز وجل - إلى امتناع ولادته أيضاً في قوله - تعالى -: (أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم) [الأنعام/101].
فالولد يحتاج إلى صاحبة تلده، وكذلك هو خالق كل شيء، فإذا كان خالق كل شيء فكل شيء منفصل عنه بائن منه.
وهذه الجملة المباركة: (لم يلد) رد على ثلاث طوائف منحرفة من بني آدم، وهم: المشركون، واليهود، والنصارى، لأن المشركين جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً، وقالوا: إن الملائكة بنات الله. واليهود قالوا: عزير ابن الله. والنصارى قالوا: المسيح ابن الله. فكذبهم الله بذلك.
(ولم يولد) كما أنَّ الله لم يكن أصلاً لفرع، فإنه - سبحانه - لم يكن فرعاً عن أصل، فالله - عز وجل - هو الأول الذي ليس قبله شيء، فكيف يكون مولوداً؟! قال - تعالى -: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد/3].
(ولم يكن له كفواً أحد)، أي: لم يكن له أحد مساوياً في جميع صفاته، فنفى الله - سبحانه وتعالى - عن نفسه أن يكون والداً، أو مولوداً، أو أن يكون له مثيل [تفسير ابن عثيمين لجزء عمَّ].
مواطن تتأكد فيها قراءة الإخلاص
1- عند النوم.
فعن عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأَ فِيهِمَا: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ" رواه البخاري.
2- في الوتر.
لحديث عبد الرحمن بن أَبْزَى، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُوتِرُ بِـ (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)، وَ(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وَ(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، فَإِذَا فَرَغَ قَالَ: ((سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ)) ثَلاثًا، وَيَمُدُّ فِي الثَّالِثَةِ. رواه النسائي.
وكان أحياناً يضيف إليها: (قل أعوذ برب الفلق) و: (قل أعوذ برب الناس).
والإخلاص والفلق والناس: المعوِّذات، وأما الأخيرتان فهما المعوِّذتان.
3- في الصباح والمساء.
ففي المسند عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِي: ((يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ أَلا أُعَلِّمُكَ سُوَرًا مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلا فِي الزَّبُورِ و لا فِي الإِنْجِيلِ وَلا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهُنَّ؟ لا يَأْتِيَنَّ عَلَيْكَ لَيْلَةٌ إِلا قَرَأْتَهُنَّ فِيهَا: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، وَ(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، وَ(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)). قَالَ عُقْبَةُ: فَمَا أَتَتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ إِلا قَرَأْتُهُنَّ فِيهَا، وَحُقَّ لِي أَنْ لا أَدَعَهُنَّ وَقَدْ أَمَرَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ - رضي الله عنه - قال: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: ((أَصَلَّيْتُمْ؟)) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. فَقَالَ: ((قُلْ)). فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: ((قُلْ)). فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: ((قُلْ)). فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ؟ قَالَ: ((قُلْ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)) رواه أبو داود والترمذي.
وفي سنن الترمذي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ مِنْ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا".
4- في ركعتي الفجر.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ فِي رَكعَتَي الفَجرِ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ)، و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)"رواه مسلم.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((نعمت السورتان يقرأ بهما في ركعتين قبل الفجر: (قل هو الله أحد)، و(قل يا أيها الكافرون)) رواه ابن خزيمة في صحيحه.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن، و(قل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن)) قال ابن عمر: "وكان يقرؤهما في ركعتي الفجر" رواه أبو يعلى بإسناد حسن والطبراني في الكبير.
قال المباركفوري - رحمه الله -: "أي: يقرأ في الركعة الأولى منهما (قل يا أيها الكافرون)، وفي الثانية: (قل هو الله أحد) [تحفة الأحوذي: 2/418].
5- في الركعتين بعد المغرب.
قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "رَمَقتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِشرِينَ مَرَّةً يَقرَأُ فَي الرَّكعَتَينِ بَعدَ المَغرِبِ، وَفِي الرَّكعَتَينِ قَبلَ الفَجرِ: "قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ رواه النسائي.
6- في ركعتي الطواف.
ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - في حديث صفة حجِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه - صلى الله عليه وسلم - بعدما طاف، جعل المقام بينه وبين البيت، وصلى ركعتين، قرأ في الأولى بالكافرون، وفي الثانية بالإخلاص.
وهنا سؤال وجواب:
السؤال: لماذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرن بين الكافرون والإخلاص في هذه الصلوات؟
والجواب: "لأنهما قد اشتملتا على أنواع التوحيد الثلاثة، فسورة: (قل هو الله أحد) اشتملت على توحيد الربوبية والأسماء والصفات، فأثبتت أن الله - تعالى - إله واحد، ونفت عنه الولد والوالد والنظير، وهو مع هذا (الصمد) الذي اجتمعت له صفات الكمال كلها. وسورة (قل يا أيها الكافرون) تضمنت توحيد العبادة، وأن العبد لا يعبد إلا الله، ولا يشرك به في عبادته أحداً، فلذلك " كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يفتتح بهما النهار في سنة الفجر، ويختم بهما في سنة المغرب، وفي السنن أنه كان يوتر بهما، فيكونان خاتمة عمل الليل كما كانا خاتمة عمل النهار" [بدائع الفوائد لابن القيم: 1/145-146].
7- في الرقية.
ففي الصحيحين عَنْ أمنا عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفِثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَنَا أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا".
8- بعد الصلوات المكتوبات.
قال عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ" رواه أبو داود. وله أيضاً: ((اقرؤوا المعوذات في دبر كل صلاة)).
أحاديث لا تثبت في فضل الإخلاص
لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث في فضل قراءة سورة الإخلاص مائة مرة، ولا مائتي مرة، وما روي في ذلك فضعيف لا يثبت.
ومن الأحاديث التي لا تثبت: ((مَنْ قَرَأَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَتَيْ مَرَّةٍ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) مُحِيَ عَنْهُ ذُنُوبُ خَمْسِينَ سَنَةً إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ)).
ومنها حديث: ((من قرأ: (قل هو الله أحد) مرة بورك عليه، فإن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهله، فإن قرأها ثلاثا بورك عليه وعلى أهله وعلى جيرانه، وإن قرأها اثنتي عشرة مرة بنى الله له بها اثني عشر قصرا في الجنة. وتقول الحفظة: انطلقوا بنا ننظر إلى قصور أخينا، فإن قرأها مائة مرة كفر عنه ذنوب خمس وعشرين سنة؛ ما خلا الدماء والأموال، فإن قرأها مائتي مرة كفر عنه ذنوب خمسين سنة؛ ما خلا الدماء والأموال، وإن قرأها ثلاث مائة مرة كتب له أجر أربع مائة شهيد، كل قد عقر جواده وأهريق دمه، وأن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه من الجنة أو يرى له)) وهذا موضوع.
وفي الباب أحاديث أخرى فيها بعض الاختلاف في الأعداد، ففي بعضها قراءة سورة الإخلاص خمسين مرة، وفي أحاديث أخرى مائة مرة، وليس لها أسانيد ثابتة.
ومنها: ((من قرأ (قل هو الله أحد) ألف مرة فقد اشترى نفسه من النار)).
كل هذا لم يقله النبي - صلى الله عليه وسلم -.
رب حبب هذه السورة إلى قلوبنا، وارفع بها عندك درجاتنا، وفرج بها همنا، وآتنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
____________
[1] ينبغي أن يتلافى الخطأ الشائع عند النطق بهذا الفعل، فكثير من الناس يقول: يعجَز بفتح الجيم، وهو يريد العجز وعدم القدرة! وهذا يغير المعنى تماماً.